يوفنتوس: السيدة العجوز بين المجد والفضائح

يوفنتوس السيدة العجوز بين المجد والفضائح

يوفنتوس: السيدة العجوز بين المجد والفضائح

في عالم كرة القدم، هناك أندية تعيش وتبني مجدها، وأندية تكتب التاريخ وتعيد رسم ملامح اللعبة… ويوفنتوس ينتمي للفئة الثانية. هو نادٍ لم يعرف الاعتدال: إمّا صعود إلى القمة، أو سقوط مدوٍّ… لكنه دائمًا يعود.

“السيدة العجوز” كما تُلقب، تمتلك سجلاً ناصعًا من الألقاب، ورصيدًا متضخمًا من العاطفة والجدل. كيف بدأت القصة؟ كيف تحولت إلى أسطورة؟ وكيف صمدت أمام أعاصير الفساد والهبوط؟ دعنا نبدأ الحكاية من جذورها.

تأسيس النادي والتسمية

تأسس نادي يوفنتوس في مدينة تورينو الإيطالية عام 1897، على يد مجموعة من طلاب المدرسة الثانوية. الاسم “Juventus” يأتي من اللاتينية ويعني “الشباب”، في دلالة إلى طموح مؤسسيه ورغبتهم في بناء شيء خالد منذ الصغر.

شعار النادي الكلاسيكي باللونين الأبيض والأسود مستوحى من نادي نوتنغهام فورست الإنجليزي، لكن التصميم الذي استقر عليه يوفنتوس لاحقًا بات يُعرف في جميع أنحاء العالم، كرمز للفخامة الرياضية والانضباط التكتيكي.

الهيمنة على الدوري الإيطالي

منذ عشرينيات القرن الماضي، بدأ يوفنتوس يُظهر قوته على الساحة الإيطالية. ولكن الهيمنة الحقيقية انطلقت مع وصول عائلة أنييلي – المالكة لمجموعة “فيات” – إلى رئاسة النادي في الثلاثينيات. تحت إدارتهم، أصبح يوفنتوس علامة تجارية متكاملة، يضم أفضل اللاعبين ويضع معايير النجاح في الكالتشيو.

النادي فاز بالدوري الإيطالي أكثر من 36 مرة، وهو رقم قياسي في إيطاليا. ومن أبرز المحطات: السيطرة المطلقة من 2012 إلى 2020، عندما فاز الفريق بالدوري 9 مرات متتالية تحت قيادة مدربين مثل أنطونيو كونتي وماسيميليانو أليغري.

دعم عائلة أنييلي

لا يمكن فهم قوة يوفنتوس دون الحديث عن آل أنييلي. هذه العائلة لم تكن مجرد ممول مالي، بل رواد في تطوير مفاهيم الإدارة الرياضية. جيوفاني أنييلي، ثم أندريا أنييلي، لعبا دورًا محوريًا في تطويع كرة القدم لتتماشى مع العصر الحديث، سواء من حيث الاستثمار، أو الإعلام، أو البنية التحتية.

كما استطاعوا تحويل يوفنتوس إلى مؤسسة مستقلة ماليًا، قادرة على تجاوز الأزمات الاقتصادية، والتعامل مع السوق العالمية بشكل تنافسي.

بلاتيني، دل بييرو، وبوفون

مرت على يوفنتوس كوكبة من أعظم اللاعبين في تاريخ الكرة. ميشيل بلاتيني، النجم الفرنسي الأسطوري، حصد الكرة الذهبية ثلاث مرات متتالية عندما كان يرتدي قميص اليوفي في الثمانينات. أليساندرو دل بييرو، القائد والرمز، كان تجسيدًا للولاء والمهارة والهدوء في لحظات الشدة.

ثم جاء جانلويجي بوفون، أحد أعظم حراس المرمى على الإطلاق، والذي حمى عرين اليوفي لعقدين من الزمن، وكان شاهدًا على المجد والسقوط والعودة.

فضيحة الكالتشيوبولي

في 2006، اهتزت الكرة الإيطالية على وقع أكبر فضيحة تلاعب في نتائج المباريات، عُرفت بـ”كالتشيوبولي”. كانت الصدمة مدوية، حين تم اتهام مسؤولين في يوفنتوس بمحاولة التأثير على تعيين حكّام موالين.

النتيجة؟ سحب لقبَي الدوري من الفريق لموسمي 2005 و2006، وصدور حكم بهبوط النادي للدرجة الثانية – في كارثة لم يعرفها أي نادٍ كبير في أوروبا. تلك اللحظة كانت صدمة للكرة الإيطالية ككل، لكنها كانت بداية اختبار لصلابة مؤسسة يوفنتوس.

الهبوط للدرجة الثانية

هبط يوفنتوس بالفعل، ولكن بطريقة “مَلكيّة”. لم يفرّط في نجومه، فبقي بوفون، دل بييرو، كامورانيزي، وتريزيغيه مع الفريق، وقرروا القتال في السيريا بي. عاد النادي مباشرة بعد موسم واحد، متصدرًا دوري الدرجة الثانية.

هذا الموقف خلق تعاطفًا غير مسبوق حتى من بعض الخصوم، لأن نادٍ بهذا الحجم أثبت احترامه للقانون واللعبة، وعاد أكثر قوة وصلابة.

العودة القوية بعد الأزمة

ما بعد الكالتشيوبولي كان تحديًا استراتيجيًا. عملت الإدارة على إعادة بناء الفريق، ومع وصول أنطونيو كونتي كمدرب، انطلقت الثورة التكتيكية مجددًا. اعتمد الفريق على تشكيلة 3-5-2، وأعاد الهيبة إلى ملعبه والمنافسة المحلية.

ثم أتى أليغري، ليأخذ يوفنتوس إلى نهائي دوري أبطال أوروبا مرتين (2015 و2017)، وخسر بصعوبة أمام برشلونة وريال مدريد. لم يكن اللقب الأوروبي، الحلم الغائب، بعيدًا، ولكن اليوفي أثبت أنه في النخبة.

كريستيانو رونالدو وحقبة جديدة

في 2018، أذهل يوفنتوس العالم بصفقة خيالية: ضم كريستيانو رونالدو من ريال مدريد مقابل أكثر من 100 مليون يورو. لم تكن الصفقة رياضية فقط، بل استراتيجية لتعزيز العلامة التجارية عالميًا.

رغم أن حلم دوري الأبطال لم يتحقق مع رونالدو، فإن النادي حقق مكاسب تسويقية هائلة، وواصل هيمنته المحلية. رونالدو ساهم في تغيير عقلية الفريق، وإظهار رغبة الإدارة في البقاء على القمة العالمية.

بناء ملعب أليانز الجديد

في عام 2011، افتتح النادي ملعب “أليانز ستاديوم”، ليكون أول نادٍ في إيطاليا يمتلك ملعبًا خاصًا به وفقًا للمعايير الأوروبية. هذا الاستثمار كان نقطة تحول، حيث ساعد في تعزيز العائدات المالية، وزيادة حضور الجماهير، وتحسين تجربة المشجع.

كما أن تصميمه القريب من أرضية الملعب، جعل من “أليانز” حصنًا حصينًا للفريق، وساهم في سنوات الهيمنة المحلية.

أسئلة شائعة

لماذا يُلقب يوفنتوس بالسيدة العجوز؟
اللقب يعكس مكانة النادي التاريخية في الكرة الإيطالية، وكأنها سيدة أرستقراطية عتيقة لها هيبتها بين الجميع.

ما هي أكبر إنجازات يوفنتوس الأوروبية؟
الفوز بدوري أبطال أوروبا مرتين (1985 و1996)، والوصول للنهائي 7 مرات، آخرها عام 2017.

هل أثر الكالتشيوبولي على شعبية يوفنتوس؟
نعم، لكنه أظهر أيضًا ولاء مشجعيه، الذين وقفوا خلفه حتى في أحلك اللحظات، مما عزز من رمزية النادي.

من هو اللاعب الأكثر تمثيلًا ليوفنتوس؟
أليساندرو دل بييرو بـ705 مباريات، يُعد رمزًا للنادي.

هل لازال يوفنتوس ينافس على دوري الأبطال؟
رغم التحديات، لا يزال النادي يطمح للقب الثالث، ويواصل بناء فريق شاب ومتماسك لتحقيقه.

ما الذي يميز إدارة يوفنتوس عن غيره من الأندية؟
الاستمرارية، والانضباط، والربط بين التاريخ والحداثة، والقدرة على التعافي من الأزمات.

خاتمة

يوفنتوس هو أكثر من نادٍ… هو قصة عن الكبرياء، الانتصارات، الانكسارات، والعودة المنتصرة. من مجد بلاتيني إلى دموع دل بييرو، من فضيحة الكالتشيوبولي إلى تحدي دوري الأبطال، ظل “السيدة العجوز” مرآة لكرة القدم الإيطالية بكل تناقضاتها.

يوفنتوس نادٍ لا يموت، بل يتجدد. من يتابع الكرة لا يمكن أن يغفل عن هذا الكيان الذي علمنا أن المجد لا يصنعه الانتصار فقط، بل الصمود بعد الانكسار.


شارك المقال شارك غرد إرسال