لماذا تفشل المنتخبات الإفريقية في كأس العالم رغم المواهب؟
أحلام تتجدد مع كل مونديال
في كل نسخة من كأس العالم، يدخل مشجعو كرة القدم في القارة السمراء برغبة جارفة وأمل كبير بأن يكون هذا هو العام الذي تكسر فيه إفريقيا عقدتها مع البطولة الأغلى. تمتلك القارة عددًا هائلًا من المواهب الفردية، كثير منهم يتألق في الدوريات الأوروبية الكبرى، إلا أن النتائج النهائية في المونديال لا تعكس هذه الإمكانيات. لماذا إذًا تفشل المنتخبات الإفريقية في كأس العالم رغم امتلاكها للمواهب؟ هذا السؤال يتكرر بعد كل إخفاق، وتتجدد معه النقاشات حول العقبات التي تحول دون تحقيق الحلم العالمي.
وفرة المواهب… غياب التنظيم
ليست المشكلة أبدًا في غياب الكفاءات أو الإمكانيات الفردية. إفريقيا أنجبت نجومًا عالميين مثل جورج ويا، ديدييه دروغبا، صامويل إيتو، محمد صلاح، وساديو ماني. معظم لاعبي المنتخبات الإفريقية اليوم ينشطون في أكبر الأندية الأوروبية ويُصنفون من بين الأفضل في مراكزهم.
لكن كرة القدم ليست فقط مهارات فردية؛ التنظيم والتخطيط والهيكل الإداري يلعبون دورًا حاسمًا. هنا تبدأ أولى المشاكل:
- ضعف الاتحاديات المحلية في تسيير المنتخبات.
- تدخلات سياسية في قرارات رياضية.
- سوء إدارة المعسكرات والتجهيزات.
- غياب الاستقرار الفني، وكثرة تغيير المدربين قبل البطولات.
النتيجة هي أن الفرق تصل إلى كأس العالم دون هوية تكتيكية واضحة، ما يضعف حظوظها أمام منتخبات تُعدّ للمونديال منذ أربع سنوات.
البنية التحتية: فجوة لا يمكن تجاهلها
رغم تحسن بعض المرافق الرياضية في بلدان مثل السنغال والمغرب وجنوب إفريقيا، إلا أن البنية التحتية الرياضية ما زالت متواضعة في معظم الدول الإفريقية:
- غياب مراكز تدريب متطورة.
- نقص في التجهيزات الطبية والبدنية.
- ملاعب سيئة تعيق التطوير المحلي.
وهذا ينعكس على الجيل الناشئ الذي لا يجد بيئة احترافية تساعده على النمو السليم كرويًا. بينما في أوروبا وأمريكا الجنوبية، يتم الاستثمار في المواهب منذ سن مبكرة داخل أكاديميات منظمة ومؤطرة تكتيكيًا وذهنيًا.
هشاشة الإعداد الذهني والثقافي
اللاعب الإفريقي يُعرف بروحه القتالية، لكن عندما يتعلق الأمر بكأس العالم، تصبح الضغوط النفسية والتكتيكية عنصرًا قاتلًا. الفرق الإفريقية أحيانًا تنهار في اللحظات الحاسمة بسبب ضعف الإعداد الذهني:
- التوتر في المباريات الكبرى.
- فقدان التركيز في الدقائق الأخيرة.
- سوء التعامل مع الفار (VAR) والقرارات التحكيمية.
وتضاف إلى ذلك فجوة ثقافية بين اللاعبين المحليين والمحترفين، حيث تختلف العقليات والانضباط، ما يؤثر على الانسجام داخل المعسكر.
غياب التخطيط طويل المدى
المنتخبات التي تتألق في كأس العالم، مثل فرنسا، البرازيل، ألمانيا، لديها استراتيجية طويلة المدى تمتد لأربع إلى ثماني سنوات، تشمل:
- بناء منتخب منسجم عبر مباريات ودية قوية.
- الحفاظ على جهاز فني مستقر.
- دراسة الخصوم وتكييف الخطط.
في المقابل، نجد أن العديد من الاتحادات الإفريقية تنتظر السنة الأخيرة قبل المونديال للبدء في التحضيرات، وكأن التأهل هو الغاية وليس البداية. كما أن بعض الاتحادات تختار مدربين أجانب قبل أشهر فقط من البطولة، دون منحه الوقت الكافي لبناء منظومة متكاملة.
قضايا الانضباط والولاءات المزدوجة
عدد من اللاعبين من أصول إفريقية يفضلون تمثيل منتخبات أوروبية بسبب الاستقرار والتنظيم والفرص العالمية. وبالتالي، تخسر المنتخبات الإفريقية بعضًا من أفضل مواهبها بسبب:
- ضعف الإقناع من الاتحادات.
- عدم وضوح المشروع الرياضي.
- التجارب السلبية السابقة للاعبين آخرين.
كما أن بعض اللاعبين داخل المعسكرات الإفريقية يدخلون في خلافات، إما حول المكافآت أو الأدوار، ما يخلق مناخًا غير صحي داخل الفريق.
استثناءات مشرقة… ودروس قاسية
رغم هذه التحديات، عرفت الكرة الإفريقية لحظات مشرقة في كأس العالم:
- الكاميرون 1990: الوصول إلى ربع النهائي بقيادة روجيه ميلا.
- السنغال 2002: الفوز على فرنسا والتأهل إلى ربع النهائي.
- غانا 2010: كانت على بُعد ركلة جزاء من نصف النهائي.
- المغرب 2022: كتب التاريخ بوصوله إلى نصف النهائي كأول منتخب إفريقي وعربي.
لكن هذه النجاحات تبقى استثناءات وليست قاعدة. كل تجربة ناجحة كانت نتيجة مشروع مدروس أو جيل ذهبي استثنائي، لكن لم يُبنى عليها لاحقًا مشروع مستدام.
كيف يمكن لإفريقيا كسر العقدة المونديالية؟
لتتحول إفريقيا من “الحصان الأسود” إلى “المنافس الحقيقي” على اللقب، يجب تنفيذ خطوات جادة:
- إصلاح الاتحاديات الرياضية وفرض الحوكمة.
- الاستثمار في البنية التحتية والأكاديميات.
- إعداد اللاعبين ذهنيًا ونفسيًا.
- استقرار فني وتخطيط طويل المدى.
- تعزيز الهوية الجماعية للمنتخب فوق الأنا الفردية.
رأيي: الطريق ممكن لكنه طويل
من وجهة نظري، المنتخبات الإفريقية تملك كل العناصر البشرية للمنافسة، لكنها بحاجة إلى إدارة ناضجة تُخرج أفضل ما فيها. النموذج المغربي في مونديال قطر أظهر أن التميز ممكن حين يجتمع التنظيم، التخطيط، والإيمان بالقدرة على الحلم.
إذا استطاعت باقي المنتخبات الإفريقية أن تتعلم من هذا النموذج، وتُبني مؤسسات كرة القدم على أسس شفافة وعلمية، فإن حلم إفريقيا بكأس العالم لن يبقى حلمًا، بل سيصبح واقعًا ينتظره العالم.