تاريخ نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي
النشأة والتأسيس (1878–1902)
تعود جذور نادي مانشستر يونايتد إلى عام 1878، حيث تأسس تحت اسم “نيوتن هيث إل واي آر” (Newton Heath LYR)، وكان مكونًا من عمال السكك الحديدية العاملين في شركة “لانكشاير ويوركشاير”. لعب الفريق مبارياته الأولى ضد فرق محلية في مانشستر، وارتدى ألوانًا خضراء وذهبية.
بحلول عام 1902، كان النادي يواجه أزمة مالية حادة، وكاد أن يُعلن إفلاسه. إلا أن مجموعة من المستثمرين بقيادة رجل الأعمال جون هنري ديفيس تدخلوا لإنقاذ النادي، وتم تغيير الاسم إلى “مانشستر يونايتد” في 24 أبريل 1902.
البداية الاحترافية والبطولات الأولى (1902–1945)
بعد إعادة التأسيس، بدأت مسيرة النادي في الصعود، حيث عُيّن المدرب إرنست مانغال وقاد الفريق للفوز بأول لقب دوري إنجليزي عام 1908، ثم كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1909، وفاز بالدوري مجددًا عام 1911.
لكن السنوات التالية لم تكن بنفس النجاح؛ فقد تأثر النادي بشدة بالحربين العالميتين، حيث توقف النشاط الكروي مرات عدة، كما تعرض النادي لأزمات مالية وفنية، وظل يتخبط في نتائج متذبذبة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
حقبة السير مات باسبي (1945–1969)
في عام 1945، تولى الأسطورة السير مات باسبي تدريب مانشستر يونايتد، وبدأ في بناء فريق قوي يضم لاعبين شباب، أطلق عليهم الإعلام اسم “أطفال باسبي” (Busby Babes). أعاد باسبي إحياء الفريق، وقاده للفوز بالدوري الإنجليزي أعوام 1952، 1956، و1957.
لكن كارثة كبرى ضربت النادي عام 1958، حين تحطمت طائرة تقل الفريق العائد من مباراة أوروبية في ميونيخ، وتوفي على إثرها 8 لاعبين، وأُصيب باسبي بجروح خطيرة. كانت “كارثة ميونيخ الجوية” من أكثر المآسي في تاريخ كرة القدم.
رغم ذلك، عاد باسبي بقوة، وأعاد بناء الفريق مجددًا. في عام 1963، فاز بكأس الاتحاد، ثم فاز بالدوري مرتين (1965 و1967). وفي عام 1968، حقق إنجازًا تاريخيًا بقيادة جورج بست، بوبي تشارلتون، ودينيس لو، حيث أصبح مانشستر يونايتد أول نادٍ إنجليزي يفوز بـكأس أوروبا (دوري الأبطال حاليًا) بعد الفوز على بنفيكا 4-1.
سنوات التخبط ما بعد باسبي (1969–1986)
بعد اعتزال باسبي، مر النادي بفترة مضطربة، حيث تناوب على تدريبه عدد من المدربين دون تحقيق الاستقرار. رغم فوزه بكأس الاتحاد الإنجليزي عام 1977، إلا أن الفريق هبط إلى الدرجة الثانية عام 1974، قبل أن يعود سريعًا في الموسم التالي.
شهدت الثمانينيات تذبذبًا واضحًا في الأداء، رغم امتلاك الفريق لنجوم مثل براين روبسون، ولم يتمكن من المنافسة الحقيقية على الدوري، وظل بعيدًا عن الألقاب الكبرى.
العصر الذهبي: أليكس فيرغسون (1986–2013)
في نوفمبر 1986، تم تعيين السير أليكس فيرغسون كمدرب للفريق، في قرار غيّر تاريخ النادي تمامًا. بداية فيرغسون لم تكن سهلة، لكنه نال الدعم الكامل من الإدارة. في عام 1990، فاز بكأس الاتحاد الإنجليزي، وكان ذلك نقطة التحول.
منذ بداية التسعينيات، بدأ مانشستر يونايتد في الهيمنة على الكرة الإنجليزية. فاز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة عام 1993 (بعد إعادة هيكلة المسابقة في 1992)، ثم فاز به مرات متتالية، وأصبح الخصم الأقوى في إنجلترا.
ذروة العصر الذهبي كانت في موسم 1998–1999، عندما فاز الفريق بالثلاثية التاريخية: الدوري، كأس الاتحاد، ودوري أبطال أوروبا، ليصبح أول نادٍ إنجليزي يحقق هذا الإنجاز. جاءت العودة الدرامية في نهائي الأبطال ضد بايرن ميونيخ، عندما سجل شيرينغهام وسولشاير هدفين في اللحظات الأخيرة.
استمرت الإنجازات تحت قيادة فيرغسون، حيث فاز بـ13 لقب دوري، 5 كؤوس اتحاد، ولقبين لدوري أبطال أوروبا (1999 و2008). شهد الفريق خلال هذه الفترة نجومًا كبارًا مثل ريان غيغز، بول سكولز، روي كين، بيكهام، فان نيستلروي، وكريستيانو رونالدو.
فيرغسون أعلن اعتزاله في نهاية موسم 2012-2013، بعد تحقيقه اللقب الـ13 في الدوري، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة مليئة بالتحديات.
ما بعد فيرغسون: التخبط والتغيير (2013–حتى اليوم)
منذ اعتزال فيرغسون، عانى مانشستر يونايتد من عدم الاستقرار الفني. تعاقب على تدريب الفريق عدة مدربين مثل ديفيد مويس، لويس فان غال، جوزيه مورينيو، أولي سولشاير، ورالف رانغنيك، دون تحقيق نجاح كبير على مستوى الدوري.
حقق مورينيو بعض النجاحات، مثل الفوز بـالدوري الأوروبي عام 2017 وكأس الرابطة، لكنه لم يتمكن من إعادة الفريق للقمة. عاد كريستيانو رونالدو إلى النادي في 2021، لكن المشروع فشل مجددًا بسبب ضعف التوازن في التشكيلة.
حاليًا، تحت قيادة المدرب الهولندي إريك تن هاغ، يسعى الفريق لاستعادة بريقه. في موسم 2022–2023، حقق مانشستر يونايتد لقب كأس الرابطة الإنجليزية، وتأهل لدوري أبطال أوروبا، مع بعض التحسن في الأداء.
الملعب والجماهير
يلعب مانشستر يونايتد في ملعب أولد ترافورد، المعروف باسم “مسرح الأحلام”، منذ عام 1910. يتسع لأكثر من 74 ألف متفرج، ويعد من أعرق الملاعب في أوروبا.
يتمتع النادي بجماهيرية عالمية ضخمة، ويُعتبر من أكثر الأندية متابعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وواحدًا من الأندية الأعلى دخلًا عالميًا.
الهوية والشعار
يعرف مانشستر يونايتد بلقب “الشياطين الحمر”، وهو الاسم المستمد من الشعار الذي يظهر عليه شيطان أحمر يحمل رمحًا. هذا الشعار يُعبر عن القوة والتحدي، وأصبح رمزًا لهوية النادي القتالية والتاريخية.
خاتمة
يُعد مانشستر يونايتد أكثر من مجرد نادٍ لكرة القدم؛ إنه مؤسسة رياضية ذات تاريخ طويل، مليء بالتحديات والانتصارات، والمآسي والبطولات. من أيام نيوتن هيث، مرورًا بكارثة ميونيخ، إلى عصر باسبي ثم الهيمنة الكاملة تحت قيادة فيرغسون، لا تزال قصة مانشستر يونايتد تُكتب كل يوم.
رغم ما يمر به النادي من صعوبات في الفترة الأخيرة، تبقى قيمته التاريخية وجماهيريته العالمية شاهدة على عظمته. المستقبل قد يحمل تحديات، لكنه بالتأكيد يحمل أيضًا الأمل في العودة إلى القمة.