برشلونة في مهب العاصفة: هل يستطيع العودة إلى القمة الأوروبية في ظل أزماته المالية؟

برشلونة الأزمة المالية 2024

برشلونة في مهب العاصفة: هل يستطيع العودة إلى القمة الأوروبية في ظل أزماته المالية؟

تحليل شامل لانطلاقة موسم 2024-2025 ومستقبل العملاق الكتالوني

مقدمة: عودة الحلم أم استمرار الانهيار؟

في كرة القدم، لا شيء يدوم، لا المجد ولا الكبوة. نادي برشلونة، الذي لطالما كان رمزًا للكرة الشاملة والجمالية المطلقة، يجد نفسه في السنوات الأخيرة أمام تحديات لم يعهدها من قبل. فبعد سنوات من الهيمنة الأوروبية، دخل الفريق في دوامة من الأزمات المالية والإدارية، ترافقت مع نتائج متذبذبة وتغيير مستمر في الجهاز الفني.

واليوم، ومع بداية موسم 2024-2025، تطرح جماهير البلوجرانا سؤالًا محوريًا: هل يستطيع برشلونة، وسط كل هذه الاضطرابات، أن يستعيد بريقه الأوروبي؟ أم أن الطريق نحو القمة لا يزال طويلًا وشاقًا؟

انطلاقة الموسم: بداية مشجعة ولكن…

انطلقت مباريات الموسم الأوروبي لبرشلونة تحت قيادة المدرب الألماني هانز فليك، الذي تولى المهمة بعد إقالة تشافي هيرنانديز. ويُعد فليك، بخبرته في بايرن ميونخ والمنتخب الألماني، خيارًا طموحًا لإعادة الانضباط الفني والتكتيكي إلى الفريق.

في الجولات الأولى من دوري أبطال أوروبا، أظهر برشلونة تطورًا واضحًا في أسلوب اللعب، خاصة من الناحية الدفاعية، مع اعتماد فليك على نظام أكثر توازنًا، يدمج الضغط العالي مع التمركز الصارم. الانتصارات كانت حاضرة، لكن الأداء ظل محل تساؤلات، خصوصًا في غياب مهاجم فتاك قادر على صناعة الفارق في المباريات الكبيرة.

الضغط المالي: الترميم بالحد الأدنى

من أبرز مظاهر معاناة برشلونة في السنوات الأخيرة الأزمة المالية العميقة التي عصفت بالنادي، والتي بدأت تتضح ملامحها بعد تفشي جائحة كورونا، وتضخم الرواتب، وسوء الإدارة السابقة بقيادة جوسيب ماريا بارتوميو.

رغم محاولات الرئيس خوان لابورتا إنقاذ الوضع من خلال “الرافعات الاقتصادية”، مثل بيع حقوق البث أو حصص من متاجر النادي، فإن هذه الخطوات لم تكن سوى حلول مؤقتة أثرت بدورها على استقرار المؤسسة. النادي لا يزال مقيّدًا بقواعد اللعب المالي النظيف، ولا يملك حرية كبيرة في سوق الانتقالات.

خلال صيف 2024، اقتصرت تعاقدات برشلونة على صفقات حرة أو إعارات مدروسة، أبرزها تعزيز خط الدفاع بلاعبين شبان، والاعتماد المتزايد على خريجي أكاديمية “لاماسيا”، أمثال لامين يامال وباو كوبارسي، الذين أظهروا نضجًا مبكرًا رغم أعمارهم الصغيرة.

الإدارة تحت المجهر: بين الأمل والتخبط

إدارة لابورتا تواجه انتقادات مستمرة. صحيح أن الرجل نجح في تخفيض فاتورة الرواتب وتوفير موارد عاجلة، لكن القرارات الرياضية كانت محل جدل. تعيين تشافي ثم إقالته بعد تجديد الثقة به لفترة قصيرة، ثم التعاقد مع فليك، كلها خطوات تُظهر غياب استراتيجية رياضية واضحة على المدى البعيد.

الجماهير والإعلام الكتالوني يطالبون بخطة رياضية واقعية، تتماشى مع الوضع المالي، وتعيد النادي تدريجيًا إلى المنافسة بدلًا من محاولة القفز على الواقع من خلال الرهانات السريعة.

أسلوب فليك: من البافاري إلى الكتالوني

هانز فليك مدرب يؤمن بالضغط الجماعي، والتحولات السريعة، والانضباط التكتيكي، وهي عناصر تختلف بعض الشيء عن فلسفة التيكي تاكا التقليدية لبرشلونة. لكن الفريق بدأ يُظهر علامات استجابة، خاصة على مستوى الخط الخلفي.

اعتمد فليك على ثلاثي دفاعي مرن، مع دعم هجومي من الأظهرة، وأعاد توظيف بيدري وفرينكي دي يونغ في أدوار مزدوجة دفاعية وهجومية. المشكلة الأبرز لا تزال في الخط الأمامي، حيث لم يتمكن ليفاندوفسكي، مع تقدمه في العمر، من تقديم نفس الفعالية السابقة، فيما لا يزال فيران توريس وأنسو فاتي غير قادرين على تقديم الاستمرارية المطلوبة.

التحدي الأوروبي: بين الحلم والواقع

دوري أبطال أوروبا لا يرحم. المنافسون أقوياء، والإيقاع مرتفع، والهفوات تُكلف الكثير. ورغم تحسن الأداء، لا يزال برشلونة يفتقر للعمق في التشكيلة وللخبرة المطلوبة في الأدوار الإقصائية.

الطريق إلى العودة لا يمر فقط من خلال الانتصارات في دور المجموعات، بل يبدأ من بناء عقلية أوروبية قوية، وهو ما يحتاج إلى وقت واستقرار إداري وفني. الفرق مثل مانشستر سيتي، بايرن ميونخ، وريال مدريد تملك استراتيجيات طويلة المدى، وهذا ما يفتقر له برشلونة في الوقت الراهن.

جماهير البلوجرانا: بين الوفاء والصبر

رغم كل الإحباطات، لا تزال جماهير برشلونة من بين الأكثر ولاءً في العالم. الحضور في الملعب المؤقت (مونتجويك) ظل قويًا، رغم الغياب عن “كامب نو” الذي يخضع حاليًا لعملية تجديد شاملة ضمن مشروع “إسباي بارسا”.

اللافت أن الجماهير أصبحت أكثر وعيًا بضرورة الصبر على المشروع الجديد، وتقبل واقع أن العودة للقمة لن تكون سريعة أو سهلة، لكنها ممكنة، خاصة إذا حافظ النادي على المواهب الشابة، وأحسن إدارتها بعيدًا عن الإغراءات قصيرة الأمد.

خاتمة: برشلونة بين الماضي المجيد والمستقبل المجهول

السؤال الأهم يبقى: هل يستطيع برشلونة العودة إلى القمة الأوروبية في ظل أزماته؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة.

من الناحية الفنية، يملك الفريق مدربًا جيدًا ومواهب صاعدة. من الناحية المالية، الوضع لا يزال هشًا، لكنه قابل للإصلاح مع مرور الوقت. أما إداريًا، فالمطلوب هو التخلي عن العشوائية، واتباع خارطة طريق صبورة وشفافة.

المستقبل سيعتمد على مدى قدرة الإدارة على دمج عناصر الخبرة مع جيل الشباب، وتفادي الأخطاء التي كلفت النادي كثيرًا في السنوات الماضية. قد لا يفوز برشلونة بدوري الأبطال هذا الموسم، لكن يمكنه بناء أسس قوية لعودة حقيقية خلال 2-3 سنوات.

برشلونة لا يزال حيًا… لكنه يحتاج لإعادة اكتشاف ذاته.

شارك المقال شارك غرد إرسال